كاظم محمود الشاملوي أحدُ خدمةِ قسم اللُّغة العربيَّة وآدابها في دارالعلوم زکریا بدیوبند
٢ /١٢ /١٤٤٤ هج الموافق = ٦/٢١/٢٠٢٣م
الطالب كيف يقضي العطلة؟
دخلتُ الصف الخامس ، وما كنت أردت أنْ ألقي الدرس اليوم، لدنوِّ العطلة،بل صممت العزم الأكيد أني سأسئل الطلبة عن عطلتهم عطلة عيد الأضحى القادمة، كيف يقضونها؟ وما هي العزائم التي يقومون بها فيها، فحدَّث إلي بعض منهم فُرادىٰ عن أعمالهم العلمية الجليلة، فسرَّني ذلك كثيراً ، و امتلأت فرحا وحبورا، و من جهة أخرىٰ تسبب لي في الحزن فوق الحزن والكآبة فوق الكآبة لما وجدت تسعين في المئة من طلبة العلوم النبوية الذين لم يُظهِرُوا شيئا من عزمهم الأكيد حول العلم أو تعلمِ شيئ في هذه العطلة ، فتيقنتُ أنهم يُضيِّعون هذا الوقت الثمين سدًى بدل أن ينتهزوا هذه الفرصة الغالية و ينضحوا ما تطرق إلىٰ نفوسهم من الضعف في أي علم ، وهذه الحال لا تواجهها هذه المدرسة فحسب ،بل تمرُّ بهذه الأحوال السيئة جلُّ المدارس الإسلامية أنَّ الطلبة يعيشون بلا هدف، ويقضون الحياة دون مرام، فأخطر الله ببالي أنْ أقدم إليهم بعض الأشياء، وأحرضهم على الاهتمام بالعلم، وإعمالِ هذه العطلة في الأمور العلمية، مع ما ذكرت لهم بعض قصص الأسلاف وحياة العلماء في مثل هذه الفرص فما زادهم ذلك إلاَّ إيمانا بما أقول وتسليما لما أتحدث عنه، حتى استعدوا كلهم أنهم يحددون الهدف، ويُعيِّنون عملا خاصا مُهمًّا للقيام به في هذه الفرصة.
واسترعيتُ خلال ذلك انتباهَهم إلىٰ عدة أشياءَ أنه لو لم يطالع طالب كتاباً خاصا بالسيرة النبوية بعدُ، ولم يستوعب هذا الموضوع، فحُقَّ له أنْ يطالع السيرة النبوية، أو لم يَحظَ أحد بمطالعة تاريخ الإسلام، فله أن يختار هذا الموضوع، أو يشعر أحد في نفسه بالضعف في فن من الفنون العلمية من النحو والصرف والأدب، والخط، وما إلىٰ ذلك ،فيجب عليه أنْ يُزيل هذا الضعف، ويُتقن ذلك الفن، وهذا كله مما لا يسمن ولا يغني من جوع، وقريباً قد رأيت مقالا مُهما كتبه فضيلة الأخ الكبير الفاضل محمد شعيب العلي جراوي الأستاذ في الجامعة الإسلامية الأصغربة في اللغة الأردية يخصُّ موضوع العطلة لطلبة المدارس الإسلامية، وإني أعتقد أنَّ مطالعته حاجةُ كل طالبٍ يودُّ أنْ يقضي العطلة علىٰ أحسن طريق أفيد وأنفع.
والذي تلخَّص لي مما حدث اليوم أن هٰهنا مسؤوليتان.
أما المسؤولية الأولى فهي مسئولية الأساتذة أنهم لما يودِّعون الطلبة إلىٰ بيوتهم، فيجب عليهم أنْ يُرغِّبوهم، ويُشوِّقوهم إلىٰ تلقي العلوم ،والحصول علىٰ المهارة في أي فنٍ يشاؤون، وأن يغتنموا هذه المناسبة ،ولا يُفوِّتوا علىٰ أنفسهم هذا الحظَّ الموفور، وأنْ يسئلوا واحدا واحدا ماذا سيفعل في العطلة القادمة؟ فلو أدَّى الأستاذ هذا الواجب، ليجدنَّ في الطلبة من الحماسة والقوة ما تسهِّل عليهم إعمالَ العطلة، ويقومون بالواجب بكل شوق ورغبة، بل ستحدث فيهم المنافسة التي تعمل علىٰ مضاعفة جهدهم، وستعود محاولة الأساتذةِ الخفيفةُ، وسعيهم العادي بالنفع العظيم والخير الكثير.
وأما المسؤولية الثانية فهي مسؤولية الطلاب أنه يجب علىٰ كل طالب أنْ يُعيِّنَ مشيراً خاصا لنفسه يستشيره في كل ما يحدث في حياته وفي كل مجال يمر به، ولا سيما في مجال العلم ، كما لا بد له أن يسترشد به في طريق المطالعة، ويسأله : أيُّ كتابٍ له أنفع في هذه الأيام؟، ولا يخالف ما يأمره به فإنه أعلم منه ،و قد جرَّب من الزمان حلوه ومره، فيهديه إلىٰ سواء السبيل في ضوء تجاربه المديدة، وربما يوسوس له الشيطان أنَّ ما قال له لا يعود بأيِّ نفع، فلا يتكل علىٰ عقله، ولاعلى ما توسوس إليه نفسه ، بل يطلق العنان لما أمر به، فسيرى عيانا في قليل من المدة الفوائد الجليلة والمنافع العظيمة إن شاء الله تعالى .
ومما يوسفنا جدا أنَّ الطلبة ينقطعون عن الأساتذة كل الانقطاع، ولا يحتاجون إلىٰ السوال عن أي شيء بل اتخذوا إلٰههم هواء، ينثنون كما تُحدِّث النفس إليهم، و يستحسنون ما زخرفت لهم الحياة الدنيا، وهذا من أكبر العوامل الذي يمنعهم عن التقدم والرقي في مجالات الحياة كافة.
هذا ما ثبت علىٰ الخاطر مما شاهدته عيانا، فإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وإن كان صوابا ونافعا فمن الله.
اللهم ارزقنا الاستفادة، ويسِّر لنا كل أمر خير إنك علىٰ كل شيئ قدير.
0 تبصرے